فصل: رابعاً: تخلّف شرط الوقت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مكروهات الصّلاة

85 - صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة السّدل في الصّلاة، لما روى أبو هريرة قال‏:‏«نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن السّدل في الصّلاة، وأن يغطّي الرّجل فاه»‏.‏ واختلفوا في تفسير السّدل‏.‏ فقال الحنفيّة‏:‏ هو إرسال الثّوب بلا لبس معتاد، وفسّره الكرخيّ بأن يجعل ثوبه على رأسه أو على كتفيه، ويرسل أطرافه من جانبه إذا لم يكن عليه سراويل، فكراهته لاحتمال كشف العورة، والكراهة تحريميّة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ السّدل‏:‏ هو أن يرسل الثّوب حتّى يصيب الأرض، وهو قول ابن عقيل من الحنابلة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ السّدل‏:‏ هو أن يطرح ثوباً على كتفيه، ولا يردّ أحد طرفيه على الكتف الأخرى‏.‏

وقيل‏:‏ وضع الرّداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره‏.‏

كما يكره اشتمال الصّمّاء لما روى أبو سعيد الخدريّ - رضي الله تعالى عنه - «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ نهى عن اشتمال الصّمّاء، وأن يحتبي الرّجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء»‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّ محلّ الكراهة إن كان معها ستر كإزار تحتها وإلاّ منعت لحصول كشف العورة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏اشتمال الصّمّاء‏)‏‏.‏

86 - ويكره التّلثّم، لما روى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه -‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطّي الرّجل فاه في الصّلاة»‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ هو ما يصل لآخر الشّفة السّفلى‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ هو تغطية الفم‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ التّلثّم على الفم والأنف، والمرأة كالرّجل في هذا‏.‏ كما يكره كفّ الكمّ والثّوب والعبث فيه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، ولا أكفّ ثوباً ولا شعراً»‏.‏

87 - وصرّح الحنفيّة بكراهة صلاة حاسر رأسه تكاسلاً، وأجازوه للتّذلّل‏.‏ قالوا‏:‏ وإن سقطت قلنسوته فالأفضل إعادتها إلاّ إذا احتاجت لتكوير أو عمل كثير‏.‏

ويكره تنزيهاً‏:‏ الصّلاة في ثياب بذلة ومهنة، إن كان له غيرها‏.‏

كما يكره الاعتجار، وهو‏:‏ شدّ الرّأس بالمنديل، أو تكوير عمامته على رأسه وترك وسطها مكشوفاً «لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الاعتجار في الصّلاة»‏.‏ وقيل‏:‏ الاعتجار‏:‏ أن ينتقب بعمامته فيغطّي أنفه‏.‏

88 - لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الاقتصار على الفاتحة في الرّكعتين الأوليين من المكتوبة‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ يكره تحريماً أن ينقص شيئاً من القراءة الواجبة‏.‏

وقد ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى كراهة تنكيس السّور - أي أن يقرأ في الثّانية سورةً أعلى ممّا قرأ في الأولى - لما روي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنّه سئل عمّن يقرأ القرآن منكوساً فقال‏:‏ ‏"‏ ذلك منكوس القلب ‏"‏‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ لأنّ ترتيب السّور في القراءة من واجبات التّلاوة، وإنّما جوّز للصّغار تسهيلاً لضرورة التّعليم‏.‏

واستثنى الحنفيّة والمالكيّة من قرأ في الرّكعة الأولى بسورة النّاس، فإنّه يقرأ في الثّانية أوّل سورة البقرة‏.‏ لكن الحنفيّة خصّوا ذلك بمن يختم القرآن في الصّلاة، واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خير النّاس الحالّ والمرتحل» أي الخاتم والمفتتح‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ تنكيس السّور خلاف الأولى، وصرّح المالكيّة بحرمة تنكيس الآيات المتلاصقة في ركعة واحدة، وأنّه يبطل الصّلاة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ بحرمة تنكيس الكلمات، وأنّه يبطل الصّلاة‏.‏ أمّا تنكيس الآيات فقيل‏:‏ مكروه، وقال الشّيخ تقيّ الدّين‏:‏ ترتيب الآيات واجب، لأنّ ترتيبها بالنّصّ إجماعاً، وترتيب السّور بالاجتهاد لا بالنّصّ في قول جمهور الفقهاء‏.‏

وصرّح الحنابلة‏:‏ بأنّه لا يكره جمع سورتين فأكثر في ركعة، ولو في فرض‏.‏ روي عن أنس بن مالك‏:‏ «أنّ رجلاً من الأنصار كان يؤمّهم، فكان يقرأ قبل كلّ سورة ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، ثمّ يقرأ سورةً أخرى معها، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما يحملك على لزوم هذه السّورة‏؟‏ فقال‏:‏ إنّي أحبّها‏.‏ فقال‏:‏ حبّك إيّاها أدخلك الجنّة»‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى كراهة قراءة سورتين في ركعة واحدة‏.‏

وقيّد الحنفيّة الكراهة بما إذا كان بين السّورتين سور أو سورة واحدة‏.‏

ومحلّ الكراهة عندهما - الحنفيّة والمالكيّة - صلاة الفرض‏.‏ أمّا في صلاة النّفل فجائز من غير كراهة‏.‏ واستثنى المالكيّة من ذلك المأموم إذا خشي من سكوته تفكّراً مكروهاً، فلا كراهة في حقّه إذا قرأ سورتين في ركعة‏.‏

كما نصّ المالكيّة والحنابلة على أنّه لا يكره التزام سورة مخصوصة‏.‏ لما تقدّم من ملازمة الأنصاريّ على ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ قال الحنابلة‏:‏ مع اعتقاده جواز غيرها‏.‏

وصرّح الحنفيّة بكراهة تعيين شيء من القرآن‏.‏ وقيّد الطّحاويّ الكراهة بما إذا رأى ذلك حتماً لا يجوز غيره، أمّا لو قرأه للتّيسير عليه أو تبرّكاً بقراءته - عليه الصلاة والسلام - فلا كراهة، لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحياناً لئلاّ يظنّ الجاهل أنّ غيرها لا يجوز، ومال إلى هذا القيد ابن عابدين‏.‏

ولا يكره - أيضاً - عند الحنابلة تكرار سورة في ركعتين، لما روى زيد بن ثابت‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الرّكعتين كلتيهما»‏.‏

كما لا يكره تفريقها في الرّكعتين، لما روي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان يقسم البقرة في الرّكعتين»‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا ينبغي تفريق السّورة، ولو فعل لا بأس به، ولا يكره على الصّحيح‏.‏ وقيل‏:‏ يكره‏.‏

وذهب المالكيّة إلى كراهة تكرير السّورة في الرّكعتين‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ قراءة‏)‏

89 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة - إلى كراهة تغميض العينين في الصّلاة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قام أحدكم في الصّلاة فلا يغمض عينيه»‏.‏

واحتجّ له - أيضاً - بأنّه فعل اليهود، ومظنّة النّوم‏.‏ وعلّل في البدائع‏:‏ بأنّ السّنّة أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده وفي التّغميض تركها‏.‏ والكراهة عند الحنفيّة تنزيهيّة‏.‏ واستثنوا من ذلك التّغميض لكمال الخشوع، بأن خاف فوت الخشوع بسبب رؤية ما يفرّق الخاطر فلا يكره حينئذ، بل قال بعضهم‏:‏ إنّه الأولى‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ وليس ببعيد‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ ومحلّ كراهة التّغميض ما لم يخف النّظر لمحرّم،أو يكون فتح بصره يشوّشه، وإلاّ فلا يكره التّغميض حينئذ‏.‏

واختار النّوويّ‏:‏ أنّه لا يكره - أي تغميض العينين - إن لم يخف منه ضرراً على نفسه، أو غيره فإن خاف منه ضرراً كره‏.‏

كما صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة رفع البصر إلى السّماء أثناء الصّلاة لحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم‏.‏ فاشتدّ قوله في ذلك حتّى قال‏:‏ لينتهنّ عن ذلك، أو لتخطفنّ أبصارهم»‏.‏

قال الأذرعيّ‏:‏ والوجه تحريمه على العامد العالم بالنّهي المستحضر له‏.‏

وروي «أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلّى رفع بصره إلى السّماء - فنزلت ‏{‏الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ‏}‏ فطأطأ رأسه»‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ ولا يكره رفع بصره إلى السّماء حال التّجشّي إذا كان في جماعة لئلاّ يؤذي من حوله بالرّائحة‏.‏

ويكره - أيضاً - النّظر إلى ما يلهي عن الصّلاة، لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ صلّى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرةً، فلمّا انصرف قال‏:‏ اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانيّة أبي جهم، فإنّها ألهتني آنفاً عن صلاتي»، ولأنّه يشغله عن إكمال الصّلاة‏.‏

90 - اتّفق الفقهاء على كراهة التّخصّر - وهو أن يضع يده على خاصرته في القيام - لقول أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -‏:‏ «نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلّي الرّجل متخصّراً»‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ الخصر‏:‏ هو موضع الحزام من جنبه، وإنّما كره ذلك لأنّ هذه الهيئة تنافي هيئة الصّلاة‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والّذي يظهر أنّ الكراهة تحريميّة في الصّلاة للنّهي المذكور‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بجواز ذلك عند الضّرورة والحاجة‏.‏

91 - كما اتّفق الفقهاء على كراهة ما كان من العبث واللّهو كفرقعة الأصابع وتشبيكها لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تُفَقِّع أصابعك وأنت تصلّي»‏.‏

ولحديث أبي هريرة‏:‏ «إذا توضّأ أحدكم في بيته ثمّ أتى المسجد كان في صلاة حتّى يرجع فلا يقل هكذا، وشبّك بين أصابعه»‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وينبغي أن تكون الكراهة تحريميّةً للنّهي المذكور‏.‏

92 - واتّفق الفقهاء - أيضاً - على كراهة العبث باللّحية أو غيرها من جسده، لما روي‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في الصّلاة، فقال‏:‏ لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه»‏.‏

واستثني من ذلك ما كان لحاجة‏:‏ كحكّ بدنه لشيء أكله وأضرّه، وسلت عرق يؤذيه ويشغل قلبه، وهذا إذا كان العمل يسيراً‏.‏

93 - وصرّح الشّافعيّة بأنّه لو سقط رداؤه أو طرف عمامته كره له تسويته إلاّ لضرورة‏.‏

94 - وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة تقليب الحصى ومسّه، لحديث أبي ذرّ - رضي الله تعالى عنه - مرفوعاً‏:‏ «إذا قام أحدكم إلى الصّلاة فإنّ الرّحمة تواجهه فلا يمسح الحصى» كما يكره مسح الحصى ونحوه حيث يسجد، لحديث معيقيب «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في الرّجل يسوّي التّراب حيث يسجد‏:‏ إن كنت فاعلاً فواحدةً»‏.‏

وقيّد الحنابلة الكراهة بعدم العذر‏.‏

ورخّص الحنفيّة تسوية الحصى مرّةً للسّجود التّامّ، بأن كان لا يمكنه تمكين جبهته على وجه السّنّة إلاّ بذلك‏.‏

قالوا‏:‏ وتركها أولى‏.‏ وصرّحوا بأنّه لو كان لا يمكنه وضع القدر الواجب من الجبهة إلاّ به تعيّن ولو أكثر من مرّة‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على كراهة وضع اليد على الفم في الصّلاة من غير حاجة، لثبوت النّهي عنه، ولمنافاته لهيئة الخشوع‏.‏

95 - وصرّح الحنفيّة بكراهة عدّ الآي والسّور، والتّسبيح بأصابع اليد أو بسبحة يمسكها في الصّلاة مطلقاً ولو كانت نفلاً‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وهذا باتّفاق أصحابنا في ظاهر الرّواية، وعن الصّاحبين في غير ظاهر الرّواية عنهما أنّه لا بأس به‏.‏

وقيل‏:‏ الخلاف في الفرائض ولا كراهة في النّوافل اتّفاقاً‏.‏ وقيل‏:‏ في النّوافل ولا خلاف في الكراهة في الفرائض‏.‏ والكراهة عندهم تنزيهيّة وعلّلوها بأنّه ليس من أفعال الصّلاة‏.‏ وذهب الحنابلة إلى جواز عدّ الآي والتّسبيح بأصابعه من غير كراهة، لما روى أنس - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه»‏.‏ وعدّ التّسبيح في معنى عدّ الآي‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ وتوقّف أحمد في عدّ التّسبيح لأنّه يتوالى لقصره، فيتوالى حسابه فيكثر العمل بخلاف عدّ الآي‏.‏

96 - وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة تروّحه - جلب نسيم الرّيح - بمروحة ونحوها، لأنّه من العبث‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ إلاّ لحاجة كغمّ شديد فلا يكره ما لم يكثر من التّروّح، فيبطل الصّلاة إن توالى‏.‏

وفي الهنديّة عن التّتارخانيّة يكره أن يذبّ بيده الذّباب أو البعوض إلاّ عند الحاجة بعمل قليل‏.‏

97 - وصرّح الشّافعيّة بكراهة القيام على رجل واحدة، لأنّه تكلّف ينافي الخشوع، إلاّ إن كان لعذر كوجع الأخرى فلا كراهة‏.‏

كما نصّ المالكيّة على كراهة رفع الرّجل عن الأرض إلاّ لضرورة كطول القيام، كما يكره عندهم وضع قدم على أخرى لأنّه من العبث، ويكره أيضا إقرانهما‏.‏

ونصّ الحنابلة على كراهة كثرة المراوحة بين القدمين، لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه، ولا يتميّل كما يتميّل اليهود»‏.‏

قال في شرح المنتهى‏:‏ وهو محمول على ما إذا لم يطل قيامه، أمّا قلّة المراوحة فتستحبّ عندهم ولا تكره‏.‏ لما روى الأثرم عن أبي عبادة قال‏:‏ «رأى عبد اللّه رجلاً يصلّي صافّاً بين قدميه فقال‏:‏ لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل»، وفي رواية‏:‏ «أخطأ السّنّة، ولو راوح بينهما كان أعجب»‏.‏

98 - اتّفق الفقهاء على كراهة الإقعاء في جلسات الصّلاة‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إقعاء‏)‏‏.‏

99 - لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الالتفات في الصّلاة، لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت‏:‏ «سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصّلاة‏؟‏ فقال‏:‏ هو اختلاس يختلسه الشّيطان من صلاة العبد»‏.‏

والكراهة مقيّدة بعدم الحاجة أو العذر، أمّا إن كانت هناك حاجة‏:‏ كخوف على نفسه أو ماله لم يكره، لحديث سهل بن الحنظليّة قال‏:‏ «ثُوّب بالصّلاة يعني صلاة الصّبح فجعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي وهو يلتفت إلى الشّعب‏.‏ قال‏:‏ وكان أرسل فارساً إلى الشّعب يحرس»‏.‏

وعليه يحمل ما روى ابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما -‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم يلتفت في صلاته يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره»‏.‏

وهناك تفصيل في المذاهب نذكره فيما يلي‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ الالتفاف بالوجه كلّه أو بعضه مكروه تحريماً، وبالبصر - أي من غير تحويل الوجه أصلاً - مكروه تنزيهاً‏.‏ وعن الزّيلعيّ والباقانيّ‏:‏ أنّه مباح، «لأنّه صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ أصحابه في صلاته بموق عينيه»، أمّا الالتفات بالصّدر فإنّه مفسد للصّلاة وسيأتي‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ الالتفات مكروه في جميع صوره، ولو بجميع جسده، ولا يبطل الصّلاة ما بقيت رجلاه للقبلة، وبعضه أخفّ بالكراهة من بعض، فالالتفات بالخدّ أخفّ من ليّ العنق، وليّ العنق أخفّ من ليّ الصّدر، والصّدر أخفّ من ليّ البدن كلّه، وقريب من هذا مذهب الحنابلة حيث صرّحوا بعدم بطلان الصّلاة لو التفت بصدره ووجهه، وذلك لأنّه لم يستدر بجملته‏.‏

وقال المتولّي من الشّافعيّة‏:‏ بحرمة الالتفات بالوجه، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا يزال اللّه عزّ وجلّ مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت‏.‏ فإذا التفت انصرف عنه»‏.‏

قال الأذرعيّ‏:‏ والمختار‏:‏ أنّه إن تعمّد مع علمه بالخبر حرم، بل تبطل إن فعله لعباً‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة بجواز اللّمح بالعين دون الالتفات فإنّه لا بأس به، لحديث عليّ بن شيبان قال‏:‏«خرجنا حتّى قدمنا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلّينا خلفه‏.‏ فلمح بمؤخّر عينه رجلاً لا يقيم صلاته - يعني صلبه - في الرّكوع والسّجود، فلمّا قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الرّكوع والسّجود»‏.‏

أمّا إن حوّل صدره عن القبلة فإنّه تبطل صلاته‏.‏

100 - لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الصّلاة مع مدافعة الأخبثين، لما روت عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافع الأخبثين»‏.‏ ويسمّى مدافع البول حاقناً، ومدافع الغائط حاقباً‏.‏

وألحق الشّافعيّة والحنابلة بذلك من تاقت نفسه إلى طعام أو شراب، لأنّه في معناه‏.‏ قالوا‏:‏ فيبدأ بالخلاء ليزيل ما يدافعه من بول أو غائط أو ريح، ويبدأ - أيضاً - بما تاق إليه من طعام أو شراب، ولو فاتته الجماعة، لما روى البخاريّ‏:‏ كان ابن عمر يوضع له الطّعام، وتقام الصّلاة، فلا يأتيها حتّى يفرغ، وإنّه ليسمع قراءة الإمام‏.‏

إلاّ إذا ضاق الوقت فلا تكره الصّلاة على هذه الحال، بل يجب فعلها قبل خروج وقتها في جميع الأحوال‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّ الكراهة ليست مختصّةً بالابتداء، بل تكره صلاة الحاقن مطلقاً، سواء كان قبل شروعه أو بعده‏.‏ قالوا‏:‏ فإن شغله قطعها إن لم يخف فوت الوقت، وإن أتمّها أثم، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحلّ لرجل يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يصلّي وهو حقن حتّى يتخفّف»‏.‏

ويقطعها - أيضاً - ولو خشي فوت الجماعة، ولا يجد جماعةً أخرى، لأنّ ترك سنّة الجماعة أولى من الإتيان بالكراهة‏.‏

وصرّح المالكيّة‏:‏ بأنّه إذا وصل الحقن إلى حدّ لا يقدر معه الإتيان بالفرض أصلاً، أو يأتي به معه لكن بمشقّة، فإنّه يبطل الصّلاة‏.‏

قال العدويّ‏:‏ أو أتى به على حالة غير مرضيّة، بأن يضمّ وركيه أو فخذيه، ومحلّ البطلان إذا دام ذلك الحقن، وأمّا إن حصل ثمّ زال فلا إعادة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ حاقن‏)‏‏.‏

101 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى كراهة السّجود على كور العمامة من حيث الجملة‏.‏ وقيّدوا الكراهة بما إذا كان السّجود على كور العمامة بدون عذر من حرّ أو برد أو مرض‏.‏ قال البهوتيّ‏:‏ ليخرج من الخلاف ويأتي بالعزيمة‏.‏ ودليل ذلك ما روى أنس - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «كنّا نصلّي مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في شدّة الحرّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه»‏.‏ والكراهة عند الحنفيّة تنزيهيّة، وشرط الحنفيّة لصحّة السّجود على المكوّر كون الكور الّذي يسجد عليه على الجبهة أو بعضها، أمّا إذا كان على الرّأس - فقط - وسجد عليه ولم تصب جبهته الأرض فإنّه لا يصحّ سجوده، لعدم السّجود على محلّه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا كان كور العمامة فوق الجبهة ومنعت لصوق الجبهة بالأرض فباطلة، وإن كان الكور أكثر من الطّاقتين أعاد في الوقت‏.‏

وألحق المالكيّة والحنابلة بكور العمامة كلّ ما اتّصل بالمصلّي من غير أعضاء السّجود كطرف كمّه وملبوسه‏.‏

وعند الحنفيّة يجوز السّجود على كمّه وفاضل ثوبه لو كان المكان المبسوط عليه ذلك طاهراً، وإلاّ لا‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن حال دون الجبهة حائل متّصل به ككور عمامته، أو طرف كمّه، وهما يتحرّكان بحركته في القيام والقعود، أو غيرهما لم تصحّ صلاته بلا خلاف عندهم، لما روى خبّاب بن الأرتّ - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «شكونا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حرّ الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يشكنا»، وفي رواية قال‏:‏ «فما أشكانا، وقال‏:‏ إذا زالت الشّمس فصلّوا»‏.‏ وإن سجد على ذيله أو كمّه أو طرف عمامته، وهو طويل لا يتحرّك بحركته فوجهان‏:‏ الصّحيح أنّه تصحّ صلاته، لأنّ هذا الطّرف في معنى المنفصل، والثّاني‏:‏ لا تصحّ به كما لو كان على ذلك الطّرف نجاسة، فإنّه لا تصحّ صلاته وإن كان لا يتحرّك بحركته، ثمّ إنّه إن سجد على كور عمامته أو كمّه ونحوهما متعمّداً عالماً بالتّحريم بطلت صلاته، وإن كان ساهياً لم تبطل، لكن يجب إعادة السّجود‏.‏

وهناك مكروهات كثيرة للسّجود تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏سجود‏)‏‏.‏

102 - واتّفق الفقهاء على أنّه يكره للمصلّي أن يصلّي مستقبلاً لرجل أو امرأة‏.‏ قال البخاريّ في صحيحه‏:‏ كره عثمان - رضي الله تعالى عنه - أن يستقبل الرّجل وهو يصلّي‏.‏ وحكاه القاضي عياض عن عامّة العلماء، وروى البزّار عن عليّ - رضي الله تعالى عنه - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلّي إلى رجل فأمره أن يعيد الصّلاة»‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والظّاهر أنّها كراهة تحريميّة، ويكون الأمر بالإعادة لإزالة الكراهة، لأنّه الحكم في كلّ صلاة أدّيت مع الكراهة وليس للفساد‏.‏

وعن أبي يوسف قال‏:‏ إن كان جاهلاً علّمته، وإن كان عالماً أدّبته‏.‏

كما صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة الصّلاة إلى متحدّث، لأنّه يشغله عن حضور قلبه في الصّلاة، لكن الحنفيّة قيّدوا الكراهة بما إذا خيف الغلط بحديثه‏.‏

وزاد الحنابلة‏:‏ النّائم، فتكره الصّلاة إليه لحديث ابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تصلّوا خلف النّائم ولا المتحدّث»‏.‏

وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى عدم الكراهة لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي وأنا راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت»‏.‏ وهو يقتضي أنّها كانت نائمةً‏.‏

وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه لا تكره الصّلاة إلى ظهر إنسان، واستثنى الحنابلة من ذلك الكافر‏.‏

وفصّل المالكيّة فقالوا‏:‏ إن كانت امرأةً أجنبيّةً أو كافراً فالكراهة، وإن كان رجلاً غير كافر جاز من غير كراهة، وإن كانت امرأةً محرماً فقولان‏:‏ والرّاجح الجواز‏.‏

103 - وصرّح المالكيّة والحنابلة بكراهة استقبال شيء من النّار في الصّلاة - ولو سراجاً أو قنديلاً أو شمعةً موقدةً - لأنّ فيه تشبيهاً بعبدة النّار‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى عدم كراهة استقبال هذه الأشياء، قالوا‏:‏ لأنّ المجوس تعبد الجمر لا النّار الموقدة، ولذا قالوا بكراهة الصّلاة إلى تنّور أو كانون فيه جمر‏.‏

104 - كما يكره أن يكتب في القبلة شيء، أو يعلّق فيها شيء، لأنّه يشغل المصلّي‏.‏ ويكره - أيضاً - تزويق المسجد‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئاً، قال البهوتيّ‏:‏ حتّى المصحف‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ يكره أن يتعمّد جعل المصحف في قبلته ليصلّي إليه، أمّا إذا كان هذا مكانه الّذي يعلّق فيه فإنّه لا يكره‏.‏

الأماكن الّتي تكره الصّلاة فيها

105 - اختلف الفقهاء في الأماكن الّتي تكره الصّلاة فيها، وإليك تفصيل أقوالهم‏:‏

ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى كراهة الصّلاة في الطّريق، والحمّام، والمزبلة، والمجزرة، والكنيسة، وعطن الإبل، والمقبرة، لما روى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نهى أن يصلّى في سبعة مواطن‏:‏ في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطّريق وفي الحمّام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت اللّه»‏.‏

قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ قارعة الطّريق هي أعلاه، وقيل‏:‏ صدره، وقيل‏:‏ ما برز منه، والكلّ متقارب، والمراد هنا نفس الطّريق، والعلّة في النّهي عن الصّلاة في قارعة الطّريق هي لشغله حقّ العامّة، ومنعهم من المرور، ولشغل البال عن الخشوع فيشتغل بالخلق عن الحقّ‏.‏ قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ المعتمد أنّ الكراهة في البنيان دون البرّيّة‏.‏

وتكره الصّلاة - أيضاً - في معاطن الإبل ولو طاهرةً‏.‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا في مرابض الغنم ولا تصلّوا في أعطان الإبل»‏.‏ والمراد بالمعاطن - هنا - مباركها مطلقاً‏.‏ قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ ولا تختصّ الكراهة بالعطن، بل مأواها ومقيلها ومباركها، بل مواضعها كلّها كذلك‏.‏

ولا تكره الصّلاة في مرابض الغنم للحديث المتقدّم، «وسئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة في مرابض الغنم، فقال‏:‏ صلّوا فيها فإنّها خلقت بركةً»‏.‏ وألحقوا مرابض البقر بمرابض الغنم فلا تكره الصّلاة فيها، قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ ومعلوم أنّ أماكن المواشي مطلقاً إن تنجّست لم تصحّ الصّلاة فيها بلا حائل، وتصحّ بالحائل مع الكراهة‏.‏

ووافق المالكيّة الحنفيّة والشّافعيّة في حكم الصّلاة في الكنيسة ومعطن الإبل، فكرهوا الصّلاة فيهما‏.‏ وألحقوا بالكنيسة كلّ متعبّد للكفّار كالبيعة وبيت النّار، وخصّوا كراهة الصّلاة في الكنيسة بما إذا دخلها مختاراً سواء كانت عامرةً أم دارسةً، أمّا إن دخلها مضطرّاً فلا كراهة، عامرةً كانت أم دارسةً‏.‏ وقالوا بإعادة الصّلاة في الوقت إذا نزلها باختياره وصلّى على أرضها أو على فرشها‏.‏

وتكره الصّلاة في معطن الإبل ولو مع أمن النّجاسة‏.‏ وعندهم في إعادة الصّلاة قولان‏:‏ قول يعيد في الوقت مطلقاً عامداً كان أو جاهلاً أو ناسياً، وقول يعيد النّاسي في الوقت، والعامد والجاهل بالحكم أبداً ندباً‏.‏

وأجازوا الصّلاة بلا كراهة بمربض الغنم والبقر من غير فرش يصلّى عليه، وبالمقبرة بلا حائل ولو على القبر، ولو لمشرك، وسواء كانت المقبرة عامرةً أم دارسةً منبوشةً، وبالمزبلة والمجزرة والحال أنّه لم يصلّ على الزّبل أو الدّم، بل في محلّ لا زبل فيه، أو لا دم فيه من غير أن يفرش شيئاً طاهراً يصلّي عليه‏.‏ وبالمحجّة ‏"‏ وسط الطّريق ‏"‏ وبقارعة الطّريق ‏"‏ جانبه ‏"‏‏.‏

وقيّدوا جواز الصّلاة في المقبرة والمزبلة والمجزرة والمحجّة بأمن النّجاسة‏.‏

أمّا مربض البقر والغنم فدائماً مأمون النّجاسة، لأنّ بولها ورجيعها طاهران‏.‏

ثمّ إنّه متى أمنت هذه الأماكن من النّجس - بأن جزم أو ظنّ طهارتها - كانت الصّلاة جائزةً ولا إعادة أصلاً وإن تحقّقت نجاستها أو ظنّت فلا تجوز الصّلاة فيها، وإذا صلّى أعاد أبداً‏.‏

وإن شكّ في نجاستها وطهارتها أعاد في الوقت على الرّاجح، بناءً على ترجيح الأصل على الغالب، وهو قول مالك‏.‏ وقال ابن حبيب‏:‏ يعيد أبداً إن كان عامداً أو جاهلاً ترجيحاً للغالب على الأصل‏.‏ وهذا في غير محجّة الطّريق إذا صلّى فيها لضيق المسجد، فإنّ الصّلاة فيها حينئذ جائزة‏.‏ ولا إعادة مع الشّكّ في الطّهارة وعدمها‏.‏

وخالف الحنابلة في كلّ ذلك فقالوا بعدم صحّة الصّلاة في المقبرة مطلقاً، لحديث جندب مرفوعاً‏:‏ «لا تتّخذوا القبور مساجد، فإنّي أنهاكم عن ذلك»‏.‏ والمقبرة ثلاثة قبور فصاعداً، فلا يعتبر قبر ولا قبران مقبرة‏.‏

ولا تصحّ الصّلاة في الحمّام، داخله وخارجه وأتونه ‏"‏ موقد النّار ‏"‏ وكلّ ما يغلق عليه الباب ويدخل في البيع، لشمول الاسم لذلك كلّه، لحديث أبي سعيد مرفوعاً‏:‏ «الأرض كلّها مسجد إلاّ الحمّام والمقبرة»‏.‏ ومثله الحشّ - وهو ما أعدّ لقضاء الحاجة - ولو مع طهارته من النّجاسة‏.‏

ولا تصحّ الصّلاة عندهم في أعطان الإبل - وهي ما تقيم فيه وتأوي إليه -، لما روى البراء بن عازب أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «صلّوا في مرابض الغنم ولا تصلّوا في مبارك الإبل» ولا تدخل في النّهي المواضع الّتي تناخ فيها الإبل لعلفها، أو ورودها الماء، ومواضع نزولها في سيرها، لعدم تناول اسم الأعطان لها‏.‏

ولا تصحّ الصّلاة - أيضاً - في المجزرة والمزبلة وقارعة الطّريق، سواء كان فيه سالك أو لا، لحديث ابن عمر المتقدّم‏.‏

ونصّ أحمد على جواز الصّلاة بلا كراهة بطريق البيوت القليلة، وبما علا عن جادّة الطّريق يمنةً ويسرةً‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ فتصحّ الصّلاة فيه بلا كراهة، لأنّه ليس بمحجّة، وصرّحوا بأنّ كلّ مكان لا تصحّ الصّلاة فيه، فكذا لا تصحّ على سطحه، لأنّ الهواء تابع للقرار، دليل أنّ الجنب يمنع من اللّبث على سطح المسجد، وأنّ من حلف لا يدخل داراً يحنث بدخول سطحها‏.‏

ويستثنى من ذلك وجود عذر‏:‏ كأن حبس بحمّام، أو حشّ فإنّه يصلّي في تلك الأماكن من غير إعادة، وانفرد الحنابلة بعدم صحّة الصّلاة في الأرض المغصوبة، لأنّها عبادة أتي بها على الوجه المنهيّ عنه، فلم تصحّ، كصلاة الحائض‏.‏

106 - وصرّح فقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة التّثاؤب في الصّلاة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه يحبّ العطاس، ويكره التّثاوب‏.‏‏.‏، فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع، فإنّ أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشّيطان»‏.‏ وفي رواية‏:‏ «فليمسك بيده على فمه فإنّ الشّيطان يدخل»‏.‏ ولأنّه من التّكاسل والامتلاء‏.‏

قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ فإن غلبه فليكظم ما استطاع ولو بأخذ شفته بسنّه، وبوضع يده أو كمّه على فمه‏.‏

ويكره - أيضاً - عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وضع شيء في فمه لا يمنعه من القراءة ‏;‏ لأنّه يشغل باله، وصرّح الحنفيّة بأن يكون هذا الشّيء لا يذوب، فإن كان يذوب كالسّكّر يكون في فيه، فإنّه تفسد صلاته إذا ابتلع ذوبه‏.‏

ويكره - كذلك - عند الشّافعيّة والحنابلة النّفخ‏.‏ هذا إذا لم يظهر به حرفان، فإن ظهر به حرفان بطلت الصّلاة‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّه عبث، كما صرّحوا بكراهة البصق في الصّلاة قبل وجهه أو عن يمينه، لحديث أنس‏:‏ «إذا كان أحدكم في الصّلاة فإنّه يناجي ربّه فلا يبزقنّ بين يديه، ولا عن يمينه ولكن عن شماله تحت قدمه اليسرى»‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّه يكره في الصّلاة شمّ طيب قصداً، كأن يدلّك موضع سجوده بطيب، أو يضع ذا رائحة طيّبة عند أنفه في موضع سجوده ليستنشقه، لأنّه ليس من فعل الصّلاة، أمّا لو دخلت الرّائحة أنفه بغير قصد فلا كراهة‏.‏ قال الطّحطاويّ‏:‏ أمّا إذا أمسكه بيده وشمّه فالظّاهر الفساد، لأنّ من رآه يجزم أنّه في غير الصّلاة، وأفاد بعض شرّاح المنية‏:‏ أنّها لا تفسد بذلك أي‏:‏ إذا لم يكن العمل كثيراً‏.‏

مبطلات الصّلاة

أ - الكلام‏:‏

107 - اتّفق الفقهاء على أنّ الصّلاة تبطل بالكلام، لما روى زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم الرّجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصّلاة حتّى نزلت ‏{‏وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ‏}‏ فأمرنا بالسّكوت ونهينا عن الكلام»‏.‏

وعن معاوية بن الحكم السُّلميّ - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «بينا أنا أصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت‏:‏ يرحمك اللّه‏.‏ فرماني القوم بأبصارهم، فقلت‏:‏ واثكل أُمِّياه ما شأنكم تنظرون إليّ‏؟‏ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم يصمّتونني لكنّي سكتّ، فلمّا صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه‏.‏ فواللّه ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال‏:‏ إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن»‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ الكلام المبطل للصّلاة ما انتظم منه حرفان فصاعداً، لأنّ الحرفين يكونان كلمةً كأب وأخ، وكذلك الأفعال والحروف، ولا تنتظم كلمة في أقلّ من حرفين، قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ الحرفان من جنس الكلام، لأنّ أقلّ ما يبنى عليه الكلام حرفان للابتداء والوقف، أو حرف مفهم نحو ‏"‏ ق ‏"‏ من الوقاية، و ‏"‏ ع ‏"‏ من الوعي و ‏"‏ ف ‏"‏ من الوفاء، وزاد الشّافعيّة مدّةً بعد حرف وإن لم يفهم نحو ‏"‏ آ ‏"‏ لأنّ الممدود في الحقيقة حرفان وهذا على الأصحّ عندهم‏.‏ ومقابل الأصحّ أنّها لا تبطل، لأنّ المدّة قد تتّفق لإشباع الحركة ولا تعدّ حرفاً‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الكلام المبطل للصّلاة هو حرف أو صوت ساذج، سواء صدر من المصلّي بالاختيار أم بالإكراه، وسواء وجب عليه هذا الصّوت كإنقاذ أعمى أو لم يجب، واستثنوا من ذلك الكلام لإصلاح الصّلاة فلا تبطل به إلاّ إذا كان كثيراً، وكذا استثنوا الكلام حالة السّهو إذا كان كثيراً فإنّه تبطل به الصّلاة أيضاً‏.‏

ولم يفرّق الحنفيّة ببطلان الصّلاة بالكلام بين أن يكون المصلّي ناسياً أو نائماً أو جاهلاً، أو مخطئاً أو مُكرهاً، فتبطل الصّلاة بكلام هؤلاء جميعاً‏.‏ قالوا‏:‏ وأمّا حديث‏:‏ «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه»‏.‏ فمحمول على رفع الإثم‏.‏

واستثنوا من ذلك السّلام ساهياً للتّحليل قبل إتمامها على ظنّ إكمالها فلا يفسد، وأمّا إن كان عمداً فإنّه مفسد‏.‏ وكذا نصّوا على بطلان الصّلاة بالسّلام على إنسان للتّحيّة، وإن لم يقل‏:‏ عليكم، ولو كان ساهياً‏.‏ وبردّ السّلام بلسانه أيضاً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى عدم بطلان الصّلاة بكلام النّاسي، والجاهل بالتّحريم إن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيداً عن العلماء، ومن سبق لسانه،إن كان الكلام يسيراً عرفاً، فيعذر به، واستدلّوا للنّاسي بما روى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الظّهر أو العصر فسلّم من ركعتين، ثمّ أتى خشبة المسجد واتّكأ عليها كأنّه غضبان، فقال له ذو اليدين‏:‏ أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول اللّه‏؟‏ فقال لأصحابه‏:‏ أحقّ ما يقول ذو اليدين‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ فصلّى ركعتين أخريين ثمّ سجد سجدتين

»‏.‏

ووجه الدّلالة‏:‏ أنّه تكلّم معتقداً أنّه ليس في الصّلاة، وهم تكلّموا مجوّزين النّسخ ثمّ بنى هو وهم عليها‏.‏ ولا يعذر في كثير الكلام، لأنّه يقطع نظم الصّلاة وهيئتها، والقليل يحتمل لقلّته ولأنّ السّبق والنّسيان في كثير نادر‏.‏

قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ ومرجع القليل والكثير إلى العرف على الأصحّ‏.‏ وأمّا المكره على الكلام فإنّه تبطل صلاته على الأظهر ولو كان كلامه يسيراً، ومقابل الأظهر لا تبطل كالنّاسي‏.‏ وأمّا إن كان كلامه كثيراً فتبطل به جزماً‏.‏

وذهب الحنابلة إلى بطلان الصّلاة بكلام السّاهي والمكره، وبالكلام لمصلحة الصّلاة، والكلام لتحذير نحو ضرير‏.‏ ولا تبطل عندهم بكلام النّائم إذا كان النّوم يسيراً، فإذا نام المصلّي قائماً أو جالساً، فتكلّم فلا تبطل صلاته، وكذا إذا سبق الكلام على لسانه حال القراءة فلا تبطل صلاته، لأنّه مغلوب عليه فأشبه ما لو غلط في القراءة فأتى بكلمة من غيره‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ إن تكلّم ظانّاً أنّ صلاته تمّت،فإن كان سلاماً لم تبطل الصّلاة رواية واحدة، أمّا إن تكلّم بشيء ممّا تكمل به الصّلاة أو شيء من شأن الصّلاة مثل كلام النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذا اليدين لم تفسد صلاته‏.‏

ب - الخطاب بنظم القرآن والذّكر‏:‏

108 - اختلف الفقهاء في بطلان صلاة من خاطب أحداً بشيء من القرآن وهو يصلّي، كقوله لمن اسمه يحيى أو موسى‏:‏ ‏{‏يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ‏}‏ أو ‏{‏وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى‏}‏، أو لمن بالباب ‏{‏وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً‏}‏‏.‏ فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى بطلان الصّلاة بكلّ ما قصد به الخطاب من القرآن، قال ابن عابدين‏:‏ والظّاهر أنّها تفسد وإن لم يكن المخاطب مسمّىً بهذا الاسم إذا قصد خطابه‏.‏

وقيّد المالكيّة بطلان الصّلاة بالخطاب بالقرآن بما إن قصد به التّفهيم بغير محلّه‏.‏ وذلك كما لو كان في الفاتحة أو غيرها فاستؤذن عليه فقطعها إلى آية ‏{‏ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ‏}‏، أمّا إن قصد التّفهيم به بمحلّه فلا تبطل به الصّلاة كأن يستأذن عليه شخص وهو يقرأ ‏{‏إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏}‏ فيرفع صوته بقوله‏:‏ ‏{‏ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ‏}‏ لقصد الإذن في الدّخول، أو يبتدئ ذلك بعد الفراغ من الفاتحة‏.‏

وقيّد الشّافعيّة بطلان الصّلاة بالخطاب بالقرآن بما إذا قصد التّفهيم فقط، أو لم يقصد شيئاً، لأنّه فيهما يشبه كلام الآدميّين فلا يكون قرآناً إلاّ بالقصد، وأمّا إن قصد مع التّفهيم القراءة لم تبطل الصّلاة، لأنّه قرآن فصار كما لو قصد القرآن وحده، ولأنّ عليّاً - رضي الله تعالى عنه - كان يصلّي فدخل رجل من الخوارج فقال‏:‏ لا حكم إلاّ للّه ولرسوله، فتلا عليّ ‏{‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ‏}‏‏.‏

قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ وهذا التّفصيل يجري في الفتح على الإمام بالقرآن، والجهر بالتّكبير أو التّسميع، فإنّه إن قصد الرّدّ مع القراءة أو القراءة - فقط - أو قصد التّكبير أو التّسميع - فقط - مع الإعلام لم تبطل وإلاّ بطلت، وإن كان في كلام بعض المتأخّرين ما يوهم خلاف ذلك‏.‏

وذهب الحنابلة إلى صحّة صلاة من خاطب بشيء من القرآن، لما روى الخلّال عن عطاء بن السّائب قال‏:‏ استأذنّا على عبد الرّحمن بن أبي ليلى وهو يصلّي فقال ‏{‏ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ‏}‏ فقلنا‏:‏ كيف صنعت‏؟‏ قال‏:‏ استأذنّا على عبد اللّه بن مسعود وهو يصلّي فقال‏:‏ ‏{‏ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ‏}‏، ولأنّه قرآن فلم تفسد به الصّلاة، كما لو لم يقصد التّنبيه‏.‏ وقال القاضي‏:‏ إذا قصد بالحمد الذّكر أو القرآن لم تبطل، وإن قصد خطاب آدميّ بطلت، وإن قصدهما فوجهان، فأمّا إن أتى بما لا يتميّز به القرآن من غيره كقوله لرجل اسمه إبراهيم‏:‏ يا إبراهيم ونحوه فسدت صلاته، لأنّ هذا كلام النّاس، ولم يتميّز عن كلامهم بما يتميّز به القرآن، أشبه ما لو جمع بين كلمات مفرّقة من القرآن فقال‏:‏ يا إبراهيم خذ الكتاب الكبير‏.‏

كما ذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى بطلان الصّلاة بكلّ ما قصد به الجواب من الذّكر والثّناء خلافاً لأبي يوسف، كأن قيل‏:‏ أمع اللّه إله‏؟‏ فقال‏:‏ لا إله إلاّ اللّه‏.‏ أو ما مالك‏؟‏ فقال‏:‏ الخيل والبغال والحمير، وأمّا إن كان الجواب بما ليس بثناء فإنّها تفسد اتّفاقاً، كأن قيل‏:‏ ما مالك‏؟‏ فقال‏:‏ الإبل والبقر والعبيد مثلاً، لأنّه ليس بثناء، ومثله ما لو أخبر بخبر سوء فاسترجع وهو في الصّلاة فإنّها تفسد عند أبي حنيفة ومحمّد خلافاً لأبي يوسف، قال ابن عابدين‏:‏ لأنّ الأصل عنده أنّ ما كان ثناءً أو قرآنًا لا يتغيّر بالنّيّة، وعندهما يتغيّر، وذكر في البحر‏:‏ أنّه لو أخبر بخبر يسرّه فقال‏:‏ الحمد للّه فهو على الخلاف، وصرّحوا بأنّ تشميت العاطس في الصّلاة لغيره يفسد الصّلاة‏.‏ فلو عطس شخص فقال له المصلّي‏:‏ يرحمك اللّه فسدت صلاته، لأنّه يجري في مخاطبات النّاس فكان من كلامهم، بخلاف ما إذا قال العاطس أو السّامع‏:‏ الحمد للّه فإنّه لا تفسد صلاته، لأنّه لم يتعارف جواباً إلاّ إذا أراد التّعليم فإنّ صلاته تفسد، وأمّا إذا عطس فشمّت نفسه فقال‏:‏ يرحمك اللّه يا نفسي لا تفسد صلاته، لأنّه لمّا لم يكن خطاباً لغيره لم يعتبر من كلام النّاس كما إذا قال‏:‏ يرحمني اللّه‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا تبطل الصّلاة بالذّكر والدّعاء إلاّ أن يخاطب كقوله لعاطس‏:‏ يرحمك اللّه ويستثنى من ذلك الخطاب للّه تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فلا تبطل به الصّلاة‏.‏ وأمّا إذا كان الذّكر لا خطاب فيه فلا تبطل به الصّلاة، كما لو عطس فقال‏:‏ الحمد للّه‏.‏ أو سمع ما يغمّه فقال‏:‏ إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، أو رأى ما يعجبه فقال‏:‏ سبحان اللّه، أو قيل له‏:‏ ولد لك غلام فقال‏:‏ الحمد للّه‏.‏

وصرّح الحنابلة بكراهة ذلك، للاختلاف في إبطاله الصّلاة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى جواز الحمد للعاطس، والاسترجاع من مصيبة أخبر بها ونحوه إلاّ أنّه يندب تركه كما صرّحوا بجواز التّسبيح والتّهليل والحوقلة بقصد التّفهيم في أيّ محلّ من الصّلاة، لأنّ الصّلاة كلّها محلّ لذلك‏.‏

ج - التّأوّه والأنين والتّأفيف والبكاء والنّفخ والتّنحنح‏:‏

109 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ الأنين ‏"‏ وهو قول‏:‏ أه بالقصر ‏"‏ والتّأوّه ‏"‏ وهو قول‏:‏ آه بالمدّ ‏"‏ والبكاء ونحوه إن ظهر به حرفان بطلت الصّلاة‏.‏

واستثنى الحنفيّة المريض الّذي لا يملك نفسه فلا تبطل صلاته بالأنين والتّأوّه والتّأفيف والبكاء، وإن حصل حروف للضّرورة‏.‏

قال أبو يوسف‏:‏ إن كان الأنين من وجع، ممّا يمكن الامتناع عنه يقطع الصّلاة، وإن كان ممّا لا يمكن لا يقطع، وعن محمّد إن كان المرض خفيفاً يقطع، وإلاّ فلا، لأنّه لا يمكنه القعود إلاّ بالأنين‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يتكلّف إخراج حروف زائدة، كما استثنى الحنفيّة البكاء من خوف الآخرة وذكر الجنّة والنّار فإنّه لا تفسد به الصّلاة، لدلالته على الخشوع‏.‏ فلو أعجبته قراءة الإمام فجعل يبكي ويقول‏:‏ بلى أو نعم لا تفسد صلاته، قال ابن عابدين نقلاً عن الكافي‏:‏ لأنّ الأنين ونحوه إذا كان بذكرهما صار كأنّه قال‏:‏ اللّهمّ إنّي أسألك الجنّة وأعوذ بك من النّار، ولو صرّح به لا تفسد صلاته، وإن كان من وجع أو مصيبة صار كأنّه يقول‏:‏ أنا مصاب فعزّوني ولو صرّح به تفسد‏.‏

ولم يفرّق الشّافعيّة بين أن يكون البكاء من خوف الآخرة أم لا في بطلان الصّلاة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى جواز الأنين لأجل وجع غلبه، والبكاء لأجل الخشوع، سواء كان قليلاً أو كثيراً، فإن لم يكن الأنين والبكاء من غلبة فيفرّق بين عمده وسهوه، قليله وكثيره، فالعمد مبطل مطلقاً قلّ أو كثر، والسّهو يبطل إن كان كثيراً ويسجد له إن قلّ‏.‏

قال الدّردير‏:‏ وهذا في البكاء الممدود وهو ما كان بصوت، وأمّا المقصور، وهو ما كان بلا صوت فلا يضرّ ولو اختياراً ما لم يكثر‏.‏

ومثل المالكيّة مذهب الحنابلة فصرّحوا بعدم بطلان الصّلاة بالبكاء خشيةً من اللّه تعالى، لكونه غير داخل في وسعه، ومثله ما لو غلبه نحو سعال وعطاس وتثاؤب وبكاء، ولو بان منه حرفان، قال مهنّا‏:‏ صلّيت إلى جنب أبي عبد اللّه فتثاءب خمس مرّات وسمعت لتثاؤبه‏:‏ هاه، هاه‏.‏ وذلك لأنّه لا ينسب إليه ولا يتعلّق به حكم من أحكام الكلام‏.‏ تقول‏:‏ تثاءبت، على تفاعلت، ولا تقل‏:‏ تثاوبت، إلاّ أنّه يكره استدعاء بكاء وضحك لئلاّ يظهر حرفان فتبطل صلاته‏.‏

110 - وذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ التّنحنح ‏"‏ هو أن يقول أح بالفتح والضّمّ ‏"‏ لغير عذر مبطل للصّلاة إن ظهر حرفان، فإن كان لعذر نشأ من طبعه، أو غلبه فلا تفسد صلاته‏.‏ قال الحنفيّة‏:‏ ومثله ما لو فعله لغرض صحيح، كتحسين الصّوت، لأنّه يفعله لإصلاح القراءة، ومن الغرض الصّحيح ما لو فعله ليهتدي إمامه إلى الصّواب، أو للإعلام أنّه في الصّلاة، قال ابن عابدين‏:‏ والقياس الفساد في الكلّ إلاّ في المدفوع إليه كما هو قول أبي حنيفة ومحمّد، لأنّه كلام، والكلام مفسد على كلّ حال، وكأنّهم عدلوا بذلك عن القياس وصحّحوا عدم الفساد به إذا كان لغرض صحيح لوجود نصّ، ولعلّه ما في الحلية من سنن ابن ماجه عن عليّ - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «كان لي من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مدخلان‏:‏ مدخل باللّيل ومدخل بالنّهار، فكنت إذا أتيته وهو يصلّي يتنحنح لي»‏.‏

وبمثل هذا صرّح الحنابلة فأجازوا النّحنحة لحاجة ولو بان حرفان‏.‏ قال المرّوذيّ‏:‏ كنت آتي أبا عبد اللّه فيتنحنح في صلاته لأعلم أنّه يصلّي‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إنّما يعذر من التّنحنح وغيره‏:‏ كالسّعال والعطاس اليسير عرفاً للغلبة، وإن ظهر به حرفان لعدم التّقصير، وكذا التّنحنح لتعذّر القراءة الواجبة وغيرها من الأركان القوليّة للضّرورة، أمّا إذا كثر التّنحنح ونحوه للغلبة كأن ظهر منه حرفان من ذلك وكثر فإنّ صلاته تبطل، وصوّب الإسنويّ عدم البطلان في التّنحنح والسّعال والعطاس للغلبة وإن كثرت إذ لا يمكن الاحتراز عنها‏.‏

قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ وينبغي أن يكون محلّ الأوّل ما إذا لم يصر السّعال ونحوه مرضاً ملازماً له،أمّا إذا صار السّعال ونحوه كذلك فإنّه لا يضرّ كمن به سلس بول ونحوه بل أولى‏.‏ ولا يعذر لو تنحنح للجهر وإن كان يسيراً، لأنّ الجهر سنّة، لا ضرورة إلى التّنحنح له‏.‏ وفي معنى الجهر سائر السّنن‏.‏

قال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ لو جهل بطلانها بالتّنحنح مع علمه بتحريم الكلام فمعذور لخفاء حكمه على العوّام‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ التّنحنح لحاجة لا يبطل الصّلاة، ولا سجود فيه من غير خلاف، وأمّا التّنحنح لغير حاجة، بل عبثاً ففيه خلاف، والصّحيح أنّه لا تبطل به الصّلاة - أيضاً - ولا سجود فيه، وهو أحد قولي مالك وأخذ به ابن القاسم واختاره الأبهريّ واللّخميّ وخليل‏.‏ والقول الثّاني لمالك‏:‏ أنّه كالكلام، فيفرّق بين العمد والسّهو‏.‏ وفسّر ابن عاشر الحاجة بضرورة الطّبع، وقيّدوا عدم بطلان الصّلاة بالتّنحنح لغير الحاجة بما إذا قلّ وإلاّ أبطل، لأنّه فعل كثير من غير جنس الصّلاة‏.‏

111 - وصرّح المالكيّة ببطلان الصّلاة بتعمّد النّفخ بالفم وإن لم يظهر منه حرف‏.‏ قال الدّسوقيّ‏:‏ وسواء كان كثيراً أو قليلاً، ظهر معه حرف أم لا، لأنّه كالكلام في الصّلاة‏.‏ وهذا هو المشهور‏.‏ وقيل‏:‏ إنّه لا يبطل مطلقاً‏.‏ وقيل‏:‏ إن ظهر منه حرف أبطل وإلاّ فلا‏.‏ أمّا النّفخ بالأنف فلا تبطل به الصّلاة ما لم يكثر أو يقصد عبثاً‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ فإن كان عبثاً جرى على الأفعال الكثيرة، لأنّه فعل من غير جنس الصّلاة‏.‏

وقيّد الحنابلة بطلان الصّلاة بالنّفخ فيما إذا بان حرفان لقول ابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما - ‏"‏ من نفخ في صلاته فقد تكلّم وروي نحوه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -‏.‏

د - الضّحك‏:‏

112 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى بطلان الصّلاة بالضّحك إن كان قهقهةً، ولو لم تَبِن حروف، لما روى جابر - رضي الله تعالى عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «القهقهة تنقض الصّلاة ولا تنقض الوضوء» ولأنّه تعمّد فيها ما ينافيها، أشبه خطاب الآدميّ‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ وسواء قلّت أم كثرت، وسواء وقعت عمداً أم نسياناً - لكونه في الصّلاة - أو غلبةً، كأن يتعمّد النّظر في صلاته أو الاستماع لما يضحك فيغلبه الضّحك فيها‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ والقهقهة اصطلاحاً‏:‏ ما يكون مسموعاً له ولجيرانه بدت أسنانه أو لا، وإن عري عن ظهور القاف والهاء أو أحدهما، كما صرّحوا ببطلان الصّلاة بالضّحك دون قهقهة، وهو ما كان مسموعاً له فقط‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن ظهر بالضّحك حرفان بطلت الصّلاة وإلاّ فلا، وأمّا التّبسّم فلا تبطل الصّلاة به «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تبسّم فيها فلمّا سلّم قال‏:‏ مرّ بي ميكائيل فضحك لي فتبسّمت له»‏.‏

هـ - الأكل والشّرب‏:‏

113 - اتّفق الفقهاء على بطلان الصّلاة بالأكل والشّرب من حيث الجملة‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ ولو سمسمةً ناسياً‏.‏ واستثنوا من ذلك ما كان بين أسنانه وكان دون الحمّصة فإنّه لا تفسد به الصّلاة إذا ابتلعه، وصرّحوا بفساد الصّلاة بالمضغ إن كثر، وتقديره بالثّلاث المتواليات‏.‏ وكذا تفسد بالسّكّر إذا كان في فيه يبتلع ذوبه‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ إنّ المفسد‏:‏ إمّا المضغ، أو وصول عين المأكول إلى الجوف بخلاف الطّعم‏.‏ قال في البحر عن الخلاصة‏:‏ ولو أكل شيئاً من الحلاوة وابتلع عينها فدخل في الصّلاة فوجد حلاوتها في فيه وابتلعها لا تفسد صلاته، ولو أدخل الفاينذ أو السّكّر في فيه، ولم يمضغه، لكن يصلّي والحلاوة تصل إلى جوفه تفسد صلاته‏.‏

وفرّق المالكيّة بين عمد الأكل والشّرب وسهوه، فإن أكل أو شرب المصلّي عمداً بطلت صلاته اتّفاقاً، وأمّا إن أكل أو شرب سهواً لم تبطل صلاته، وانجبر بسجود السّهو‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى بطلان الصّلاة بالأكل ولو كان قليلاً، وإن كان مكرهاً عليه، لشدّة منافاته للصّلاة مع ندرته، واستثنوا من ذلك‏:‏ النّاسي أنّه في الصّلاة، والجاهل بالتّحريم لقرب عهده بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء فلا تبطل صلاته بالأكل إلاّ إذا كثر عرفاً، ولا تبطل ما لو جرى ريقه بباقي طعام بين أسنانه وعجز عن تمييزه ومجّه كما في الصّوم‏.‏

وصرّحوا‏:‏ بأنّه لو كان بفمه سكّرة فذابت فبلع ذوبها عمداً، مع علمه بالتّحريم، أو تقصيره في التّعلّم فإنّ صلاته تبطل‏.‏ كما صرّحوا ببطلان الصّلاة بالمضغ إن كثر، وإن لم يصل إلى جوفه شيء‏.‏

وفرّق الحنابلة في ذلك بين صلاة الفرض والنّفل، فصلاة الفرض تبطل بالأكل والشّرب عمداً، قلّ الأكل أو الشّرب أو كثر، لأنّه ينافي الصّلاة‏.‏ وأمّا صلاة النّفل فلا تبطل بالأكل والشّراب إلاّ إذا كثر عرفاً لقطع الموالاة بين الأركان‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ وهذا رواية، وعنه أنّ النّفل كالفرض، قال في المبدع وبه قال أكثرهم، لأنّ ما أبطل الفرض أبطل النّفل، كسائر المبطلات‏.‏

وكلّ ما سبق فيما إذا كان الأكل والشّرب عمداً، فإن كان سهواً أو جهلاً فإنّه لا يبطل الصّلاة فرضاً كانت أو نفلاً إذا كان يسيراً، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» ولأنّ تركهما عماد الصّوم، وركنه الأصليّ، فإذا لم يؤثّر في حالة السّهو في الصّيام فالصّلاة أولى‏.‏

قالوا‏:‏ ولا بأس ببلع ما بقي في فيه من بقايا الطّعام من غير مضغ، أو بقي بين أسنانه من بقايا الطّعام بلا مضغ ممّا يجري به ريقه وهو اليسير، لأنّ ذلك لا يسمّى أكلاً، وأمّا ما لا يجري به ريقه بل يجري بنفسه - وهو ما له جرم - فإنّ الصّلاة تبطل ببلعه لعدم مشقّة الاحتراز‏.‏

قال المجد‏:‏ إذا اقتلع من بين أسنانه ما له جرم وابتلعه بطلت صلاته عندنا، وصرّحوا بأنّ بلع ما ذاب بفيه من سكّر ونحوه كالأكل‏.‏

و - العمل الكثير‏:‏

114 - اتّفق الفقهاء على بطلان الصّلاة بالعمل الكثير، واختلفوا في حدّه‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ العمل الكثير الّذي تبطل الصّلاة به هو ما لا يشكّ النّاظر في فاعله أنّه ليس في الصّلاة‏.‏ قالوا‏:‏ فإن شكّ أنّه فيها أم لا فقليل، وهذا هو الأصحّ عندهم، وقيّدوا العمل الكثير ألاّ يكون لإصلاحها ليخرج به الوضوء والمشي لسبق الحدث فإنّهما لا يفسدانها

قال ابن عابدين‏:‏ وينبغي أن يزاد‏:‏ ولا فعل لعذر احترازاً عن قتل الحيّة والعقرب بعمل كثير على قول، إلاّ أن يقال‏:‏ إنّه لإصلاحها، لأنّ تركه قد يؤدّي إلى إفسادها‏.‏

ومذهب المالكيّة قريب من مذهب الحنفيّة، فالعمل الكثير عندهم هو ما يخيّل للنّاظر أنّه ليس في صلاة، والسّهو في ذلك كالعمد‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المرجع في معرفة القلّة والكثرة هو العرف، فما يعدّه النّاس قليلاً فقليل، وما يعدّونه كثيراً فكثير، قال الشّافعيّة‏:‏ فالخطوتان المتوّسّطتان، والضّربتان، ونحوهما قليل، والثّلاث من ذلك أو غيره كثير إن توالت‏.‏ سواء أكانت من جنس الخطوات، أم أجناس‏:‏ كخطوة، وضربة، وخلع نعل‏.‏ وسواء أكانت الخطوات الثّلاث بقدر خطوة واحدة أم لا‏.‏

وصرّحوا ببطلان الصّلاة بالفعلة الفاحشة، كالوثبة الفاحشة لمنافاتها للصّلاة، وعلى ذلك فالأفعال العمديّة عندهم تبطل الصّلاة ولو كانت قليلةً، سواء أكانت من جنس أفعال الصّلاة أم من غير جنسها‏.‏ أمّا السّهو فإن كانت الأفعال من غير جنس الصّلاة فتبطل بكثيرها، لأنّ الحاجة لا تدعو إليها، أمّا إذا دعت الحاجة إليها كصلاة شدّة الخوف فلا تضرّ ولو كثرت‏.‏ أمّا إذا كانت الأفعال من جنسها - كزيادة ركوع أو سجود سهواً - فلا تبطل، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى الظّهر خمساً وسجد للسّهو، ولم يعدها»‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يتقدّر اليسير بثلاث ولا لغيرها من العدد، بل اليسير ما عدّه العرف يسيراً، لأنّه لا توقيف فيه فيرجع للعرف كالقبض والحرز‏.‏ فإن طال عرفاً ما فعل فيها، وكان ذلك الفعل من غير جنسها غير متفرّق أبطلها عمداً كان أو سهواً أو جهلاً ما لم تكن ضرورة، فإن كانت ضرورةً، كحالة خوف، وهرب من عدوّ ونحوه كسيل لم تبطل، وعدّ ابن الجوزيّ من الضّرورة الحكّة الّتي لا يصبر عليها، وأمّا العمل المتفرّق فلا يبطل الصّلاة لما ثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمّ النّاس في المسجد، فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب، وإذا سجد وضعها»، «وصلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المنبر وتكرّر صعوده ونزوله عنه»‏.‏

ز - تخلّف شرط من شروط صحّة الصّلاة‏:‏

115 - لا تصحّ الصّلاة إلاّ إذا كانت مستوفيةً شروطها‏.‏ فإذا تخلّف شرط من شروط صحّتها‏:‏ كالطّهارة، وستر العورة بطلت، وكذلك لو طرأ ما ينافيها كما لو نزلت على ثوبه نجاسة وهو يصلّي، أو تذكّر وهو في الصّلاة أنّه على غير طهارة‏.‏‏.‏‏.‏ والتّفصيل كما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ تخلّف شرط طهارة الحدث‏:‏

116 - إذا أحدث المصلّي أثناء الصّلاة، أو كان محدثاً قبل الصّلاة وتذكّر ذلك في الصّلاة فإنّ صلاته لا تصحّ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تقبل صلاة بغير طهور»‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏حدث ف / 23، 17 /124، ورعاف ف / 5، 22 /265‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ تخلّف شرط الطّهارة من النّجاسة‏:‏

117 - طهارة بدن المصلّي وثوبه ومكانه شرط لصحّة الصّلاة‏.‏

وسبق تفصيل ذلك في فقرة ‏(‏10‏)‏‏.‏

صلاة فاقد الطّهورين

118 - الطّهوران هما‏:‏ الماء والصّعيد، واختلف الفقهاء في حكم فاقدهما‏.‏

فذهب الجمهور - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة - إلى وجوب أداء الفرض عليه فقط‏.‏

وذهب المالكيّة إلى سقوط الصّلاة على فاقد الطّهورين‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏فاقد الطّهورين‏)‏‏.‏

صلاة العاجز عن ثوب طاهر ومكان طاهر

119 - اختلف الفقهاء في صلاة العاجز عن ثوب طاهر‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه يتخيّر بين أن يصلّي بالثّوب النّجس أو عاريّاً من غير إعادة، والصّلاة بالثّوب النّجس حينئذ أفضل، لأنّ كلّ واحد منهما مانع من جواز الصّلاة حالة الاختيار‏.‏ فيستويان في حكم الصّلاة‏.‏ وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف‏.‏

وعند محمّد لا تجزئه الصّلاة إلاّ في الثّوب النّجس، لأنّ الصّلاة فيه أقرب إلى الجواز من الصّلاة عرياناً، فإنّ القليل من النّجاسة لا يمنع الجواز،وكذلك الكثير في قول بعض العلماء‏.‏ قال عطاء - رحمه الله -‏:‏ من صلّى وفي ثوبه سبعون قطرةً من دم جازت صلاته‏.‏ ولم يقل أحد بجواز الصّلاة عرياناً في حال الاختيار‏.‏ قال في الأسرار‏:‏ وقول محمّد - رحمه الله - أفضل‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ العاجز عن ثوب طاهر يصلّي في ثوبه النّجس، وعند الحنابلة يعيد الصّلاة إذا وجد غيره أو ما يطهّر به أبداً‏.‏ وعند المالكيّة يعيد في الوقت فقط‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجب عليه أن يصلّي عرياناً ولا إعادة عليه‏.‏

وكذلك اختلف الفقهاء في العاجز عن مكان طاهر، كأن يحبس في مكان نجس‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه يجب عليه أن يصلّي مع وجود النّجاسة ولا يترك الصّلاة، لما روى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»‏.‏

قال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ ويجب أن يتجافى عن النّجاسة بيديه وركبتيه وغيرهما القدر الممكن، ويجب أن ينحني للسّجود إلى القدر الّذي لو زاد عليه لاقى النّجاسة‏.‏

زاد الحنابلة‏:‏ أنّه يجلس على قدميه‏.‏ ومذهب المالكيّة‏:‏ أنّه يعيد في الوقت‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ بوجوب الإعادة عليه أبداً‏.‏ وعند الحنابلة‏:‏ لا إعادة عليه‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن وجد مكاناً يابساً سجد عليه وإلاّ فيومئ قائماً‏.‏

ثالثاً‏:‏ تخلّف شرط ستر العورة

120 - ستر العورة شرط من شروط صحّة الصّلاة كما تقدّم، فلا تصحّ الصّلاة إلاّ بسترها، وقد اتّفق الفقهاء على بطلان صلاة من كشف عورته فيها قصداً، واختلفوا فيما لو انكشفت بلا قصد متى تبطل صلاته‏؟‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ الصّلاة تبطل لو انكشف ربع عضو قدر أداء ركن بلا صنعه‏.‏

ويدخل في أداء الرّكن سنّته أيضاً‏.‏ وهذا قول أبي يوسف‏.‏ واعتبر محمّد أداء الرّكن حقيقةً‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والأوّل المختار للاحتياط‏.‏ وعليه لو انكشف ربع عضو - أقلّ من أداء ركن - فلا يفسد باتّفاق الحنفيّة‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ لأنّ الانكشاف الكثير في الزّمان القليل عفو كالانكشاف القليل في الزّمن الكثير‏.‏ وأمّا إذا أدّى مع الانكشاف ركناً فإنّها تفسد باتّفاق الحنفيّة، وهذا كلّه في الانكشاف الحادث في أثناء الصّلاة‏.‏ أمّا المقارن لابتدائها فإنّه يمنع انعقادها مطلقاً اتّفاقاً بعد أن يكون المكشوف ربع العضو‏.‏

ولم يقيّد المالكيّة والشّافعيّة البطلان بقيود، وعندهم أنّ مطلق الانكشاف يبطل الصّلاة‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ فإن انكشف شيء من عورة المصلّي لم تصحّ صلاته سواء أكثر المنكشف أم قلّ، ولو كان أدنى جزء، وهذا إذا لم يسترها في الحال‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا يضرّ انكشاف يسير من العورة بلا قصد، ولو كان زمن الانكشاف طويلًا لحديث عمرو بن سلمة الجرميّ قال‏:‏ «انطلق أبي وافداً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلّمهم الصّلاة، فقال‏:‏ يؤمّكم أقرؤكم، وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدّموني، فكنت أؤمّهم وعليّ بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت انكشفت عنّي‏.‏ فقالت امرأة من النّساء‏:‏ واروا عنّا عورة قارئكم‏.‏ فاشتروا لي قميصاً عمّانيّاً فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به» ولم يبلغنا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك ولا أحد من الصّحابة‏.‏

واليسير هو الّذي لا يفحش في النّظر عرفاً‏.‏ قال البهوتيّ‏:‏ ويختلف الفحش بحسب المنكشف، فيفحش من السّوأة ما لا يفحش من غيرها‏.‏ وكذا لا تبطل الصّلاة إن انكشف من العورة شيء كثير في زمن قصير، فلو أطارت الرّيح ثوبه عن عورته، فبدا منها ما لم يعف عنه لم تبطل صلاته، وكذا لو بدت العورة كلّها فأعاد الثّوب سريعاً بلا عمل كثير فإنّها لا تبطل، لقصر مدّته أشبه اليسير في الزّمن الطّويل‏.‏ وكذا تبطل لو فحش وطال الزّمن، ولو بلا قصد‏.‏

صلاة العاجز عن ساتر للعورة

121 - اتّفق الفقهاء على أنّ الصّلاة لا تسقط عمّن عدم السّاتر للعورة، واختلفوا في كيفيّة صلاته‏؟‏ فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه مخيّر بين أن يصلّي قاعداً أو قائماً، فإن صلّى قاعداً فالأفضل أن يومئ بالرّكوع والسّجود، لما روى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أنّ قوماً انكسرت بهم مركبهم، فخرجوا عراةً‏.‏ قال‏:‏ يصلّون جلوساً، يومئون إيماءً برءوسهم فإن ركع وسجد جاز له ذلك‏.‏

وعند الحنفيّة يكون قعوده كما في الصّلاة فيفترش الرّجل وتتورّك المرأة‏.‏

وعند الحنابلة يتضامّ، وذلك بأن يقيم إحدى فخذيه على الأخرى، لأنّه أقلّ كشفاً‏.‏

وإن صلّى قائماً فإنّه يومئ كذلك بالرّكوع والسّجود عند الحنفيّة، لأنّ السّتر أهمّ من أداء الأركان، لأنّه فرض في الصّلاة وخارجها، والأركان فرائض الصّلاة لا غير، وقد أتى ببدلها، وقال الحنابلة‏:‏ إذا صلّى قائماً لزمه أن يركع ويسجد بالأرض‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يصلّي قائماً، ولا يجوز له أن يجلس‏.‏

وتجب عليه الإعادة في الوقت عند المالكيّة، وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ لا إعادة عليه‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّه إذا لم يجد عادم السّتر إلاّ ثوب حرير، أو ثوباً نجساً وجب عليه لبسه، ولا يصلّي عاريّاً، لأنّ فرض السّتر أقوى من منع لبس الحرير والنّجس في هذه الحالة، ويعيد في الوقت عند المالكيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يعيد إذا صلّى في ثوب حرير، لأنّه مأذون في لبسه في بعض الأحوال كالحكّة والبرد، ويعيد إذا صلّى في ثوب نجس‏.‏

وفرّق الشّافعيّة بين الثّوب الحرير والثّوب النّجس، فإذا لم يجد المصلّي إلاّ ثوباً نجساً، ولم يقدر على غسله فإنّه يصلّي عاريّاً ولا يلبسه، وإذا وجد حريراً وجب عليه أن يصلّي فيه، لأنّه طاهر يسقط الفرض به، وإنّما يحرم في غير محلّ الضّرورة، وتجب عليه الإعادة إذا صلّى في ثوب نجس‏.‏

واختلفوا في وجوب التّطيّن إذا لم يجد إلاّ الطّين، كما أنّ عند الفقهاء تفصيلاً فيما إذا لم يجد إلاّ ما يستر به أحد فرجيه أيّهما يستر، وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ تخلّف شرط الوقت

122 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من صلّى قبل دخول الوقت فإنّ صلاته غير صحيحة، ويجب عليه أن يصلّي إذا دخل الوقت‏.‏ أمّا لو خرج وقت الصّلاة من غير أن يصلّي، فإنّه يجب عليه أن يصلّي ولا تسقط الصّلاة بخروج وقتها، وتكون صلاته حينئذ قضاءً‏.‏ مع ترتّب الإثم عليه لو ترك الصّلاة حتّى خرج وقتها عمداً‏.‏

وقد أجاز الشّارع أداء الصّلاة في غير وقتها في حالات معيّنة‏:‏ كالجمع في السّفر والمطر والمرض، وينظر تفصيل ذلك في مصطلحاتها‏.‏

واختلفوا في صحّة الصّلاة لو وقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه، وذلك كما لو دخل في صلاة الصّبح أو العصر أو غيرها وخرج الوقت وهو فيها هل تبطل صلاته أم لا‏؟‏

فذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ صلاته صحيحة سواء صلّى في الوقت ركعةً أو أقلّ أو أكثر، على خلاف بينهم، هل تكون أداءً أم قضاءً‏؟‏ لحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من أدرك من الصّبح ركعةً قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصّبح، ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر»

ووافق الحنفيّة الجمهور فيما تقدّم فيما سوى صلاة الصّبح وحدها فإنّها لا تدرك عندهم إلاّ بأدائها كلّها قبل طلوع الشّمس، وعلّلوا ذلك بطروء الوقت النّاقص على الوقت الكامل ولذا عدّوا ذلك من مبطلات الصّلاة‏.‏

خامساً‏:‏ تخلّف شرط الاستقبال

123 - سبق تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏استقبال ف10 / 11، 4 /63‏)‏‏.‏

ح - ترك ركن من أركان الصّلاة‏:‏

124 - ترك الرّكن في الصّلاة‏:‏ إمّا أن يكون عمداً،أو سهواً، أو جهلاً، ويختلف حكم كلّ‏.‏ أمّا تركه عمداً‏:‏ فقد اتّفق الفقهاء على أنّ من ترك ركناً من أركان الصّلاة عمداً فإنّ صلاته تبطل ولا تصحّ منه‏.‏ وأمّا تركه سهواً أو جهلاً فقد اتّفقوا على أنّه يجب عليه أن يأتي به إن أمكن تداركه، فإن لم يمكن تداركه فإنّ صلاته تفسد عند الحنفيّة، أمّا الجمهور فقالوا‏:‏ تلغى الرّكعة الّتي ترك منها الرّكن فقط وذلك إذا كان الرّكن المتروك غير النّيّة وتكبيرة الإحرام، فإن كانا هما استأنف الصّلاة، لأنّه غير مصلّ‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ سجود السّهو‏)‏‏.‏

صَلاَةُ الاسْتِخَارة

انظر‏:‏ استخارة‏.‏

صَلاَةُ الاسْتِسْقَاء

انظر‏:‏ استسقاء‏.‏